يا باغي الخير أقبل ، فالباب غير مقفل يامن أذنب وعصى ، واخطأ وعتا، تعال فلعل وعسى ، يا من بقلبه من الذنوب جروح، تعال فالباب مفتوح ، والكرم يغدو ويروح، يا من ركب مطايا الخطايا ،تعال إلى ميدان العطايا، يا من اقترفوا فاعترفوا، لا تنسوا {قل يا عبادي الذين أسرفوا} يا من بذنب باء ، وقد أساء تذكر :{يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء}.
سقت بغي الكلب ، فشكر لها الرب، وغفر الذنب ، قتل رجل مئة نفس، ثم تاب إلى الله عز وجل ، فدخل الجنة على عجل.
من الذي ما أساء قط؟ ومن له الحسنى فقط؟ ومن هو الذي ما سقط؟ وأين هو الذي ما غلط؟ ياكثير الأخطاء ،أنسيت :{كل ابن آدم خطاء} ،كم يقتلك القنوط كم؟وأنت تسمع:{والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا الذهب الله بكم}.
إذا أذنبت فتب وتتندم ،فقد سبقك بالذنب أبوك ادم ،ومن يشابه أباه فما ظلم ،وتلك شنشنة نعرفها من اخزم ،فلا تقلد أباك في الذنب وتترك المتاب ،فان أباك لما أذنب أناب ،بنص الكتاب.
أصبحت وجوه التائبين مسفرة ،لما سمعوا نداء:{لو أتيتني بقراب الأرض خطايا لأتيتك بقرابها مغفرة} ،اطرح نفسك على عتبة الباب ، ومد يدك وقل:يا وهاب .أرغم انفك بالطين، وناد:رحمتك أرجو يا رب العالمين.
يا من أساء وظلم ،اعلم أن دمعه ندم ، تزيل اثر زلة القدم ، وأنت تتعامل مع من عرض التوبة على الكفار و**** طريق الرجعة أمام الفجار ، وأمهل بكرمه الأشرار ،انزل لعفو كتبه، وسبقت رحمته غضبه.
اسمه التواب ولم لم تذنب لما عرف هذا الوصف في الكتاب ،لان الوصف لا بد له من فعل حتى يوصف بالصواب .ما تدري بالذنب محي العجب، وبالاستغفار حصل الانكسار ،لكاس الاستكبار ،وصار الانحدار ، لجدار الإصرار .
لا تصبر ، بل اعترف وأقر ، فان طعم الدواء مر، وسوف تجد ما يسر ولا يضر ، واحذر الشيطان فإنه يغر.
الاعتراف بالاقتراف ، طبيعة الأشراف ، قف بالباب وقل:أذنبنا، وطف بتلك الديار وقل :تبنا ،ارفع يديك وقل :أنبنا،{أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم} سبحان من يغفر الذنب لمن أخطا ،ويقبل التوبة ممن أبطا.
التوبة تجب ما قبلها ،وتعم بركتها أهلها ،يقول :{التائب من الذنب كمن لا ذنب له}،وهذا قول يجب أن نقبله ،فهنيئاً لمن تاب وأناب ،قبل أن يغلق الباب ،التائب سريع الرجعة ،غزير الدمعة ،منكسر الفؤاد ،لرب العباد ،دائم الإنصات ،كثير الإخبات.
للتائب فرحتان ودمعتان وبسمتان .
فرحة يوم ترك الذنب ،والأخرى إذا لقي الرب،ودمعة إذا ذكر ما مضى والثانية إذا تأمل كيف ذهب عمره وانقضى ،وبسمة يوم ذكر فضل الله عليه بالتوبة ،وهي أجل نعمة ،والآخرى يوم صرف عنه الذنب وهو أفظع نقمة.
بشرى لمن عفر جبينه، وأشعل في قلبه أنينة،وأضرم بالشوق جنينه، التائب تبدل سيئاته حسنات ،لان ما فات مات، والصالحات تمحو الخطيئات.
للتوبة أسرار ،ولأصحابها أخبار ،فالتائب يزول عنه تصيد المعائب ،وطلب المثالب ،لأنه ذاق مرارة ما تقدم ،فهو دائماً يتندم،وهو ي**** باب المعاذير، لمن وقع في المحاذير ولا يفعل فعل المعجب المنان ،الذي قال:والله ر يغفر الله لفلان ،بل يستغفر لمن أساء من العباد ،ويطلب الهداية لأهل الفساد ،والتائب يطالع حكمة الرب،في تقدير الذنب ،وانه لا حول للعبد ولا قوة ،في منع نفسه من الوقوع في تلك الهوة ،فالله غالب على أمره ،بعزته وقهره،والتائب ذهبت عن نفسه صولة الطاعات والدعاوى الطويلات ،والتبجح على أهل المعاصي ،وأصبح ذليلاً لمن أخذ بالنواصي ،فان بعض الناس إذا لم يقع في زلة،ولم يذق طعم الذلة ،جمحت به نفسه الأمارة، حتى جاوز أطواره،فكلما ذكر له عاص تأفف ،وكلما سمع بمذنب تأسف ،وكأنه عبد معصوم ،في حياته غير ملوم، يحاسب الناس على زلاتهم ،ويأخذ بعثراتهم ،فإذا أراد الله تقويمه ،ليسلك الطريق المستقيمة،ابتلاه بذنب لينكسر لربه،واراه ضعف قوته فيعترف بذنبه، فيصبح يدعو للمذنبين ويحب التائبين ، ويبغض المتكبرين.
ومنها أن كاس الندم يتجرعه جرعه ،مع انحدار دموع الأسف دمعة دمعة ،وحينها ينال الولاية ،ويدرك الرعاية ،لأنه يعرف سر العبودية ،ويدخل باب الشريعة المحمدية ،فان ذل العبد مقصود ،وتواضعه محمود ،لصاحب الكبرياء المعبود.
ومنها أن يشتغل بالاستغفار عن الاستكبار فهو دائم الفكر في تقصيره ،مشتغل به عن غروره ،لان بعض الناس لا يرى إلا إحسانه ،ولا يشاهد إلا صلاحه وإيمانه، حتى كأنه يمن على مولاه ،بطاعته وتقواه،بخلاف من طار من خوف العاقبة لبه،وتشبع بالندم قلبه،فهو كثير الحسرات ،على ما مضى وفات ،وهذا هو حال من عرف العبادة ،وسلك طريق السعادة.
واعلم أن لوم النفس على التقصير ،والنظر إليها بعين التحقير ،والإزراء عليها في جانب مولاها، وعدم الرضا عنها لما فعله هواها ، يقطع من مسافات المسير ،إلى اللطيف الخبير ،ما لا يقطعه الصيام ولا القيام ،ولا الطواف بالبيت الحرام ،فهنيئاً لمن على ذنبه يتحرق ،وقلبه يكاد من الأسف يتمزق ودمعة على ما فرط يترقرق.
أجمل الكلمات ،وأحسن العبارات ،لدى الأرض والسماوات ،قول العبد: يارب أذنبت ،يارب أخطأت فيكون الجواب منه سبحانه :عبدي قد غفرت وسامحت ،وسترت ،وصفحت.
عفر الجبين بالطين ،وناد :يارب العالمين ، تبنا مع التائبين ، أغسل الكبائر بماء الدموع ، وأدب النفس الأمارة بالجوع ،فهذا فعل من أناب ،حتى ي**** لك الباب .تأوه المذنبين التائبين،أحب من تسبيح المعجبين من قضى ليله وهو نائم،وأصبح وهو نادم، أحب ممن قضاه وهو مسبح مكبر،وأصبح وهو معجب متكبر.
إذا أردت القدوم عليه ،توسل برحمته وفضله إليه ،ولا تمنن بطاعتك لديه،لا تيأس من **** الباب ،ورفع الحجاب ،فأدم الوقوف عنده،واخطب وده،فإن من قصده لن يرده، ما أحوج الجيل إلى أخر ساعة من الليل ،لأنها ساعة الهبات والأعطيات والنفحات أمام الموحدين ،يقول:{والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين}،فجعل غاية مناه،أن يغفر خطاياه وأنت تصر ،ولا تقر،ولا تحسو كاس الذنب وهو مر ،فأفق من سبات اللهو ولا تكن من الغافلين،وأكثر من { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}.